لا أعلم تحديداً عدد المرات التي وقفت فيها أمام المرآة في المنزل أو أثناء تجريبك لملابس جديدة وقلت: هل أنا بدين؟ ولكني أتوقع أنك قمت بذلك أكثر من مرة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلك مهتماً بهذا المقال وأنت تتساءل: مالشيء الجديد هنا؟
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى بسيطاً، فأنت تعرف نفسك أكثر من الآخرين ولا بد أنك مع اقتراب أشهر الصيف ستضطر لاستماع تعليقات المقربين اليك أو الأصدقاء القدامى أنك أصبحت شخصاً آخراً أو بعبارة أخرى ” جاية صحتك”. منذ هذه اللحظة يجب أن تعرف ما تأكل، فبنهاية الأمر يقتصر الموضوع على كمية الحريرات التي تكتسبها منقوصاً منها الحريرات التي تستهلكها أثناء الحركة الفيزيائية وبذل الجهد الجسدي. للأسف ليس الأمر بهذه البساطة!
تعرّف جمعية الصحة العالمية WHO البدانة بزيادة كميّة في النسيج الشحمي في الجسم وتميّز هنا مصطلحين هامين بدون الدخول في التصنيفات: زيادة الوزن والبدانة.
وللتمييز بين المصطلحين تستند منظمة الصحة العالمية على مشعر أو مؤشر كتلة الجسم BMI ويتم حسابه ببساطة بحاصل قسمة الوزن بال كغ على الطول للتربيع باستخدام واحدة المتر، فإذا كان الحاصل بين 25 و 30 يعتبر المرء زائد الوزن وإذا كان الحاصل أكثر من 30 يعتبر المرء بديناً ( هنا أيضاً دون الدخول في التصنيفات). تستند جمعية الصحة العالمية على هذه المعايير في الدرجة الأولى لاجراء دراسات إحصائية، من خلالها يمكن تقدير الأعباء الصحية، الاجتماعية والاقتصادية للبدانة لمحاولة التعامل معها مستقبلاً. كمثال بسيط في سنة 2022 يعتبر كل شخص من ثمانية أشخاص في العالم بديناً. السؤال المنطقي هنا، هل يمكن إسقاط المعطيات الوبائية على الأفراد دون وضع تقييدات لحساسية ونوعية هذه المعطيات؟ الجواب هو لا. في دراسة من سنة 2020 استنتجت أن مؤشر كتلة الجسم قد لا يكون مقياساً دقيقاً لتحديد وجود البدانة أو لا. إذاً يبدو أنه علينا البدء من جديد في البحث عن تعريف ليس المقصود فيه إحصائيات فقط وإنما المقصود فيه تحديداً أكثر دقة لتعريف البدانة.
بالرجوع إلى موقع مركز مكافحة الأمراض الأميركي CDC فسنجد تعريف البدانة على الشكل التالي: البدانة هو (مرض) بحدث عندما يكون وزن المرء أكثر من الوزن المعتبر صحياً له! وبعد قراءة هذه الجملة أكثر من عشر مرّات لم تستنج بعد تعريف منطقي للبدانة وسترى الآن المنطق في استناد جمعية الصحة العالمية على مؤشر كتلة الجسم!!
إذا كان مؤشر كتلة الجسم معياراً وبائياً ولا يمكن تطبيقه بدون تقييدات في الحياة اليومية، فما هو المشعر الأفضل لمتابعة الصحة الفيزيائية؟ الجواب هنا ولأوّل مرّة قد يكون بسيطاً.
دعونا نبتعد عن الاجراءات المعقدة وباهظة الثمن لقياس النسيج الشحمي في الجسم ولنذهب إلى المنزل ونحضر مقياس الخياطة!! نعم، الموضوع بهذه السهولة!
Waist-to-Hip-Ratio أو نسبة الخصر إلى الورك، ما عليك إلا قياس الخصر على مستوى السرة وقياس الورك في أعرض نقطة ممكنة (كمصطلح طبي على مستوى الشوك الحرقفي الأمامي العلوي) وبقسمة الأول على الثاني يجب أن يكون الحاصل عند الذكور غالباً أقل من 0.9 وعند الاناث 0.8. في دراسة قديمة من سنة 2001 اقترحت أن نسبة الخصر الى الورك هي مشعراً أكثر دقة لتحديد الصحة القلبية وعوامل الخطورة القلبية ( ارتفاع الشحوم، ارتفاع الضغط الشرياني) لدى النساء البدينات من مؤشر كتلة الجسم BMI.
هل يجب تسمية البدانة مرضاً؟
حسب جمعية الصحة العالمية ومركز مكافحة الأمراض الأميركي تعتبر البدانة مرضاً معقداً. ثم في سطر آخر تناقش البدانة كحالة من زيادة الوزن تؤهب لكثير من الأمراض والسرطانات ( أمراض القلب والسكري وسرطان الكولون والثدي).
في مقالة من عام 2012 أقرّت الجمعية الطبية الأميركية AMA البدانة أيضاً كمرض، في التحليلات المتتالية لهذا القرار كان الهدف من هذا التعريف هو تحسين التغطية الصحية للمرضى وازالة الوصمة الاجتماعية عن البدانة بوصفها مرض وليست خيار او اضطراب سلوك غذائي. ولكن حتى ال AMA قالت لاحقاً أنه لا يوجد بيانات كافية لتسمية البدانة إلى مرض، ثم يطول المقال إلى عدم اتفاق أساساً على تعريف المرض بحد ذاته وتفاصيل أخرى. بالمحصلة وددت في هذا القسم تسليط الضوء على النقاط الغير واضحة جداً فيما يخص البدانة، وليس تعقيد الأمور أكثر مما هي أساساً عليه.
هل تعتبر الحريرة حريرة؟
الحريرة هي وحدة لقياس الطاقة، بشكل تقريبي تعادل كل 7000 حريرة تقريباً الكيلوغرام. في هذا القسم أريد الابتعاد عن الفيزياء وعن الأنظمة الغذائية. إن هدفي الوحيد هو زرع الشك والفضول وتقديم بعض التفسيرات للتفكير لاحقاً.
المبدأ الذي يقاس فيه عدد الحريرات في طعام ما هي حرفياً بحرق الطعام وقياس الطاقة الناتجة عنه، ويسمى المبدأ قياس الحريرات المباشر direct calorimetry. لا يحتاج الأمر طبيباً لكي يعلم أن أجساماً لا تقوم حرفياً بحرق الطعام إنما تمارس على الطعام عمليات كيميائية حيوية معقدة جداً كما يحرض الطعام فيها أيضاً عمليات كيميائية معقدة أيضاً. لتبسيط الأمر اذهب الآن وتناول الذرة المسلوقة وراقب كيف تخرج من جسمك في اليوم التالي. هل يبدو كلامي الآن منطقياً؟
لتلخيص المقال في النهاية فإن زيادة الوزن أمر يجب الانتباه منه بدون أي شك للمهتمين بالصحة الجسدية فزيادة الوزن تترافق مع كثير من الأمراض وقد تكون سبباً في الكثير منها. يجب الابتعاد عن المعلومات المضللة والطرق المبسطة والمختصرة والتي تبدو أجمل من الحقيقة. لا يبدو الأمر بسيطاً حتى بالنسبة لأصحاب الخبرة لمواهجة هكذا (وباء) , لكن هناك بحر من المعلومات المتوفرة مجاناً للجميع للوصول إلى جسم مثالي.
أتمنى أن تلاقي كلماتي اهتمامكم لنكمل لاحقاً في المستقبل القريب بتسليط الضوء والتعمق أكثر في الصحة الجسدية والعقلية. أشكر قراءتكم للمقالة.
المصادر باللغة الانكليزية:
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/obesity-and-overweight
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6179496/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7369744/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1071369/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6179496/
https://www.cdc.gov/obesity/basics/causes.html#:~:text=Obesity%20is%20a%20complex%20disease,activity%20levels%2C%20and%20sleep%20routines.
https://www.msdmanuals.com/home/multimedia/table/how-are-calories-in-foods-measured
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2129158/